09 - 05 - 2025

من وراء النافذة| "كوثر" ليست فضيحة

من وراء النافذة| 

انبرت وسائل الإعلام والصحف المصربة في التهكم على إيران بعدما أعلنت عن قيامها بتطوير وصناعة طائرة حربية أطلقت عليها اسم "الكوثر".. وفي مشهد مسرحي عالمي لا يخلو من دلالة ظهر الرئيس الإيراني مستقلا المقاتلة الجديدة بجوار قائدها في زهو وخيلاء ليقدم "عروسه" الجديدة للعالم ويتحدى بها حملة عقوبات امريكية عاتية ضد النظام الإيراني. 

كالأنعام انساقت بعض وسائل الإعلام المصرية خلف التوجه الأمريكي – الإسرائيلي، وتبنته دون حذر او حياد في استخدام كل أوصاف  السخرية والتهوين التي تفننت فيها آلة الإعلام المعادية لإيران مثل "الفضيحة" و"النكتة" بعد ما تبين ان المقاتلة الإيرانية "الكوثر" ماهي إلا نسخة مقلدة من الطائرة الأمريكية القديمة "إف5 إف" التي يبلغ عمرها أربعة وأربعين عاماً، وسبق ان اشترتها إيران نفسها من امريكا أيام الشاه وتوارثتها المؤسسة العسكرية بعد قيام الثورة الإسلامية.

الحقيقة المؤكدة التي لا تقبل السخرية او التهوين هي ان ايران وسط كل الضغوط التى تواجهها وعيوب نظامها ورغباته التوسعية استطاعت ان تحجز لنفسها موطئ قدم على أعتاب نادي الدول الست الوحيدة في العالم التي  تقوم بتطوير وانتاج  الطائرات المقاتلة محلياً من الألف الى الياء. هذه الحقيقة هي التي أطلقت كل شياطين الغضب الأمريكية والإسرائيلية وتسببت في عاصفة التهوين والاستهزاء وصب الماء البارد على المنتج الإيراني الجديد.

حقيقة أخرى مؤكدة هي أن إيران لم تستنخ المقاتلة الأمريكية كما هي، بل أدخلت عليها بعض التعديلات التي تحسن من إمكاناتها المتواضعة عسكريا مقارنة بالطرازات الحديثة بحيث تحقق لها الوظيفة المطلوبة بنجاح، وهي معاونة القوات البرية في اي اشتباك. وعند تطوير "الكوثر" تلافت ايران عيوب طائرتها الأقدم من طراز "الصاعقة" من ضعف المحرك وقصر المدى والتي تسببت في سقوطها في أيدي العدو الأمريكي. فحولتها من طائرة ذات وظيفة دفاعية الى طائرة ذات وظيفة هجومية حتى وان كان أداؤها ما يزال متواضعاً.

منذ سنوات تعكف ايران على نقل التكنولوجيا الأمريكية والوقوف على احدث التطويرات العسكرية والعمل على استنساخها محليا. وحادثة طائرة التجسس الأمريكية بدون طيار التي أسقطتها ايران على أراضيها ليست ببعيدة . فقد اختفت الطائرة التي كانت تعتبر من احدث طائرات التجسس في الجيش الأمريكي وأكثرها سرية وكان هناك حرص على عدم نشر صورها. 

وقت الحادث نفت الدوائر الأمريكية سقوط الطائرة ووقوعها في يد الإيرانيين، ثم لم تلبث الطائرة أن ظهرت بعد اختفائها امام شاشات  التلفاز الإيراني بين جمهور من العلماء الإيرانيين والروس الذين اتوا بناء على استدعاء طهران لفحص الطائرة المنكوبة والوقوف على أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، بل والوصول الى المعلومات السرية والاستخباراتية التي جمعتها الطائرة وكانت ضربة قوية وجهتها طهران لواشنطن ضمن حروب التجسس بين البلدين. 

إذا نظرنا من زاوية محايدة وأطعنا قول الحق" يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون" علينا ان نعترف بأن  طهران طورت من مفهوم الحديث النبوي "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" ولم تقصر مفهومها للغة على "اللسان" وانما تعاملت مع دلالة كلمة "اللغة" على انها الثقافة والحضارة وطريقة التفكير أيضاً. ولو كان انجازها الأخير متواضعاً أو فقيراً في حد ذاته لما اسشاطت الدوائر العسكرية في تل ابيب وواشنطن غضباً، لكن الحقيقة ان هذا الإنجاز على ضآلته في نظر المحللين المعادين  لها لا يخلو من دلالة المعافرة والتحدي. . قد يكون امام إيران شوط طويل لتصل الى عتبة تصميم المقاتلات واختبارها وتصنيع طائرتها المحلية الخاصة بها، لكنها في النهاية باتت وبلا شك  تضارع كبريات الدول المنتجة للمقاتلات رسمياً.

من حق الرئيس روحاني ان يفخر ويتباهى حتى لوكانت الطائرة ام اربعة واربعين  قديمة وعجوزا شمطاء لكنها أحدثت نقلة نوعية في وضع ايران بين دول العالم المنتجة للسلاح. المنتج الإيراني يستحق الغبطة لا التهكم وعقبالنا زيهم.
 -----------------

بقلم: هالة العيسوي

[email protected]

 

مقالات اخرى للكاتب

من وراء النافذة|